05 - 05 - 2025

بحبر الروح |"ميتا".. أهو "لعبة الحبار"؟

بحبر الروح |

"ميتا" أو "ميتافيرس".. الجيل الثاني، إذا جاز الوصف، من كابوس السوشيال ميديا ولكن فى ثوب أكثر قتامة وإظلاما. يبدو العرض الجديد الذى يروج له "مارك زوكربيرغ" - كاهن العالم الافتراضي- كالذي ينظر فى ضوء شمس حارقة قد تُذهِب ببصره وتتركه فى عتمة لا تنتهي.

لقد تصدر "زوكربيرغ" الترند - بلغة العالم الرقمي – خلال الأيام القليلة الماضية، بعد ان أطلق تصريحات حول اعتزامه تغيير اسم "فيسبوك" ليصبح "ميتا"- اختصار "ميتافيرس"- وهو تطبيق بديل سوف يحل محل "فيسبوك". لكنه يمتلك تقنيات تبدو مبهرة للبعض ومرعبة للبعض الأخر، فيما يبقى اللغط قائما حول ما نمضي نحوه فى ذلك العقد الكبيس من الألفية الثانية وكأننا نتهجى طلاسم تعويذة سوداء تقودنا إلى كابوس مروع. تُرى، لماذا يجد كثيرون ضالتهم فى الوهم المزرقش برماد الفناء؟ ولِمّ يتعجلون وضع كلمة النهاية على وجودنا الانساني بكل تفاصيله البديهية؟ لماذا نختار نظارات الواقع المعزز - بديلاً لعالمنا الواقعي- حتى وإن كان محدوداً ولا يتيح كل هذا الانفتاح؟ ألا يكفينا سباق الحوسبة وسيطرة الهواتف المحمولة على كل تفاصيل حياتنا والتهامها لكافة عاداتنا الكلاسيكية السابقة؟ سيصبح عما قريب ذلك الواقع المتواضع ذكرى نشتهيها ولن تعود... كهذا لقننا درس كورونا !

يحاول "زوكربيرغ" وشركاه فى وادي السليكون خلق أرضية جديدة تناسب هوس المكاسب التجارية وسباقها المحموم، ومن ثم مواراة خطايا اختراعهم البائس تحت منضدة أوهام الـ "ميتا"- أحد أشكال الهلوسة الإلكترونية الجديدة- التى ستنزع عنا إدراكنا للزمان والمكان والتفاصيل وردود الأفعال وغيرها من المشاعر الانسانية التى أرادوها مميكنةـ، بل ومبرمجة أيضاً.

هكذا يُخلق "زوكربيرغ" ملهاة جديدة، كى يُخرِس كافة الأصوات المنتقدة التى لا تكف عن توجيه الاتهامات للمنصة الأكثر انتشاراً بين مستخدمى شبكات التواصل الاجتماعي. ربما يبادر بإنقاذ القناع من سقوطه الأخير. فهو يخفي دمامة ملثمة بزيف انسيابية التواصل والمتعة مدفوعة الأجر، كالذى يذيقك أول لفافة من التبغ المُخدِر، ثم يتركك أسير الاعتياد اللعين ..ترى، كيف سيمضي سيناريو "ميتا" فى ظل فوضى عارمة من حواس زائفة تحاكي أكاذيب بمذاق الأوهام؟

الأمر مختلف هذه المرة وعلينا آلا ننزلق، فلا يمكننا ادعاء كوننا مخدوعين. الشراكات العملاقة وأسواق الدعاية الجديدة ومروجو السعادة المتنقلة التى تدق بابك دون أن تمضي أنت إليها بمثابة بئر سحيق سيبتلع بقايانا التى بحاجة إلى ترميم يعيدها إلى حالتها الأولى. نحن ماضون بسرعة جنونية نحو "الافتراضية الخبيثة" ، لنصبح أسرى نظارات ثلاثية الأبعاد تهييء لنا ما أرادوه لنا ، وليس ما نحن بحاجة فعلية إليه.. سيبيعون أوهاماً هلامية سابحة فى تقنيات الهولوجرام، لنُصبح جميعاً أشباحاً فى عالم لا وجود له إلا فى لعبة رقمية ملعونة تلتهم لاعبيها واحداً تلو الأخر. تشويق مخيف ربما انقلب إلى واقع مميت مثلما فى مسلسل "لعبة الحبار" الكوري الذى حصد مشاهدات مليونية رغم فجاجة الفكرة وما تثيره من جزع. لكن يبدو أن الفكرة لها مريدوها، رغم كونها تبدأ  بـ "التسلية" وتنتهي بـ "الإبادة".

والواقع أن التحدى القادم هو الناتج ما بين عمليتين حسابيتين فى شدة الحساسية: الأولى تتمثل فى النجاحات التى يمكن أن تحققها "ميتا" بعد أن أوشك "فيسبوك" أن يسقط أرضاً من توالى اللكمات. والثانية فى اختيار ستتخذه بكامل إرادتك نحو التكنولوجيا الصديقة كما حدث مع فيسبوك وأخوته، لكنه يتيح اختراقك شعورياً وفكرياً ونفسياً بفعل مارد اصطناعي لا يمكن التكهن بزمن وكيفية اشتباكه مع بني البشر.. سيتخطى الأمر مجرد اختراق بياناتك وقائمة تفضيلاتك، بل سيتم الولوج إلى عقلك وغزو انفعالاتك، لنتحول جميعاً فى نهاية المطاف إلى نسخة جديدة من "زومبي" القرن الواحد والعشرين.. فعلى ما يبدو أن أجراس تسيُد الآلة تدق فى جبروت مخيف على أبواب البشرية، مُطالبة إياها بحزم حقائبها بعد أن باتت كائناً غير ذى جدوى فى عالم يُفرِط في آليته وجموده.

------------------

بقلم: شيرين ماهر

مقالات اخرى للكاتب

 بحبر الروح |